سورة الأنبياء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


قوله تعالى: {فرجعوا إِلى أنفسهم} فيه قولان:
أحدهما: رجع بعضهم إِلى بعض.
والثاني: رجع كلٌّ منهم إِلى نفسه متفكِّراً.
قوله تعالى: {فقالوا إِنكم أنتم الظالمون} فيه خمسة أقوال.
أحدها: حين عبدتم من لا يتكلم، قاله ابن عباس.
والثاني: حين تتركون آلهتكم وحدها، وتذهبون، قاله وهب بن منبه.
والثالث: في عبادة هذه الأصاغر مع هذا الكبير، روي عن وهب أيضاً.
والرابع: لإِبراهيم حين اتهمتموه والفأس في يد كبير الأصنام، قاله ابن إِسحاق، ومقاتل.
والخامس: أنتم ظالمون لإِبراهيم حين سألتموه، وهذه أصنامكم حاضرة، فاسألوها، ذكره ابن جرير.
قوله تعالى: {ثم نُكِسوا على رؤوسهم} وقرأ أبو رزين العقيلي، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: {نُكِّسوا} برفع النون وكسر الكاف مشددة. وقرأ سعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {نَكَسوا} بفتح النون والكاف مخفَّفة. قال أبو عبيدة: {نُكِسوا}: قُلِبوا، تقول: نكستُ فلاناً على رأسه: إِذا قهرته وعلوته.
ثم في المراد بهذا الانقلاب ثلاثة أقوال.
أحدها: أدركتْهم حيرةٌ، فقالوا: {لقد علمتَ ما هؤلاءِ يَنْطِقُون}، قاله قتادة.
والثاني: رجعوا إِلى أول ما كانوا يعرفونها به من أنها لا تنطق، قاله ابن قتيبة.
والثالث: انقلبوا على إِبراهيم يحتجُّون عليه بعد أن أقرُّوا له ولاموا أنفسهم في تهمته، قاله أبو سليمان الدمشقي. وفي قوله: {لقد علمتَ} إِضمار قالوا، وفي هذا إِقرار منهم بعجز ما يعبدونه عن النُّطق، فحينئذ توجهت لإِبراهيم الحُجَّة، فقال موبّخاً لهم: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم} أي: لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئاً {ولا يضرُّكم} إِذا لم تعبدوه، وفي هذا حثٌّ لهم على عبادة من يملك النفع والضُّر، {أفٍّ لكم} قال الزجاج: معناه: النتن لكم؛ فلما ألزمهم الحجة غضبوا، فقالوا: {حرِّقوه}. وذُكر في التفسير أن نمرود استشارهم، بأيِّ عذاب أعذِّبه، فقال رجل: حرِّقوه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إِلى يوم القيامة.


قوله تعالى: {وانصروا آلهتكم} أي: بتحريقه، لأنه يَعيبها {إِن كنتم فاعلين} أي: ناصريها.
الإِشارة إِلى القصة:
ذكر أهل التفسير أنهم حبسوا إِبراهيم عليه السلام في بيت ثم بنَوا له حَيْراً طول جداره ستون ذراعاً إِلى سفح جبل منيف، ونادى منادي الملك: أيها الناس احتطبوا لإِبراهيم، ولا يتخلفنَّ عن ذلك صغير ولا كبير، فمن تخلَّف أُلقي في تلك النار، ففعلوا ذلك أربعين ليلة، حتى إِن كانت المرأة لتقول: إِن ظفرتُ بكذا لأحتطبنَّ لنار إِبراهيم، حتى إِذا كان الحطب يساوي رأس الجدار سدوا أبواب الحَيْر وقذفوا فيه النار، فارتفع لهبها، حتى إِن كان الطائر ليمرُّ بها فيحترق من شدة حرِّها، ثم بنَوا بنياناً شامخاً، وبنَوا فوقه منجنيقاً، ثم رفعوا إِبراهيم على رأس البنيان، فرفع إِبراهيم رأسه إِلى السماء، فقال: اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل؛ فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربَّنا إِبراهيمُ يُحرَق فيكَ، فائذن لنا في نصرته؛ فقال: أنا أعلمُ به، وإِن دعاكم فأغيثوه؛ فقذفوه في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وقيل: ست وعشرين، فقال: «حسبي الله ونعم الوكيل». فاستقبله جبريل، فقال: يا إِبراهيم ألكَ حاجة؟ قال: أمّا إِليك فلا، قال جبريل: فسل ربَّك، فقال: «حسبي من سؤالي علْمُه بحالي»، فقال الله عز وجل: {يا نارُ كوني بَرْداً وسلاماً على إِبراهيم}، فلم تبق نار على وجه الأرض يومئذ إِلا طُفئت وظنَّت أنها عُنيت. وزعم السدي أن جبريل هو الذي ناداها. وقال ابن عباس: لو لم يُتبع بردها سلاماً لمات إِبراهيم من بردها. قال السدي: فأخذت الملائكة بضَبْعَي إِبراهيم فأجلسوه على الأرض، فإذا عين من ماءٍ عذْب، وورد أحمر، ونرجس. قال كعب ووهب: فما أحرقت النار من إِبراهيم إِلا وَثاقه، وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام، وقال غيرهما: أربعين أو خمسين يوماً، فنزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص، وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه. وإِن آزر أتى نمرود فقال: أئذن لي أن أُخرِج عظام إِبراهيم فأدفنها، فانطلق نمرود ومعه الناس، فأمر بالحائط فنُقب، فإذا إِبراهيم في روضة تهتزُّ وثيابه تندى، وعليه القميص وتحته الطنفسة والملَك إِلى جنبه، فناداه نمرود: يا إِبراهيم، إِن إلهك الذي بلغتْ قُدرته هذا لكبيرٌ، هل تستطيع أن تخرج؟ قال: نعم، فقام إِبراهيم يمشي حتى خرج، فقال: مَن الذي رأيتُ معك؟ قال ملَك أرسله إِليَّ ربِّي ليؤنسني، فقال نمرود: إِني مقرِّب لإِلهك قرباناً لِما رأيتُ من قدرته، فقال: إِذن لا يقبل الله منكَ ما كنتَ على دينك، فقال: يا إِبراهيم، لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سوف أذبح له، فذبح القربان وكفَّ عن إِبراهيم.
قال المفسرون: ومعنى {كُوني بَرْداً} أى: ذات برد {وسلاماً} أي: سلامة. {وأرادوا به كيداً} وهو التحريق بالنار {فجعلناهم الأخسرين} وهو أن الله تعالى سلَّط البعوض عليهم حتى أكل لحومهم وشرب دماءهم، ودخلت واحدة في دماع نمرود حتى أهلكته، والمعنى: أنهم كادوه بسوء، فانقلب السوء عليهم.
قوله تعالى: {ونجَّيناه} أي: من نمرود وكيده {ولوطاً} وهو ابن أخي إِبراهيم، وهو لوط بن هاران بن تارح، وكان قد آمن به، فهاجرا من أرض العراق إِلى الشام. وكانت سارة مع ابراهيم في قول وهب. وقال السدي: إِنما هي إبنة ملك حرَّان، لقيها إِبراهيم فتزوجها على أن لا يغيرها، وكانت قد طعنت على قومها في دينهم.
فأما قوله تعالى {إِلى الأرض التي باركنا فيها}، ففيها قولان:
أحدهما: أنها أرض الشام، وهذا قول الأكثرين. وبَرَكتها: أن الله عزّ وجل بعث أكثر الأنبياء منها، وأكثر فيها الخصب والثمار والأنهار.
والثاني: أنها مكة، رواه العوفي عن ابن عباس. والأول أصح.
قوله تعالى: {وَوَهبْنا له} يعني: إِبراهيم {إِسحاق ويعقوب نافلة}، وفي معنى النافلة قولان:
أحدهما: أنها بمعنى الزيادة، والمراد بها: يعقوب خاصة، فكأنه سأل واحداً، فأُعطي اثنين، وهذا مذهب ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، والفراء.
والثاني: أن النافلة بمعنى العطية، والمراد: بها إِسحاق ويعقوب، وهذا مذهب مجاهد، وعطاء. قوله تعالى: {وكُلاًّ جعلنا صالحين} يعني: إِبراهيم وإِسحاق ويعقوب. قال أبو عبيدة: {كُلٌّ} يقع خبره على لفظ الواحد، لأن لفظه لفظ الواحد، ويقع خبره على لفظ الجميع، لأن معناه معنى الجميع.
قوله تعالى: {وجعلناهم أئمة} أي: رؤوساً يُقتدى بهم في الخير {يَهْدون بأمرنا} أي: يَدْعون الناس إِلى ديننا بأمرنا إِيَّاهم بذلك {وأوحينا إِليهم فعل الخيرات} قال ابن عباس: شرائع النبوَّة. وقال مقاتل: الأعمال الصالحة. {وإِقامَ الصلاة} قال الزجاج: حذفُ الهاء من إِقامة الصلاة قليلٌ في اللغة، تقول: أقام إِقامة، والحذف جائز، لأن الإِضافة عوض من الهاء.


قوله تعالى: {ولوطاً آتيناه حكماً} قال الزجاج: انتصب لوط بفعل مضمر، لأن قبله فعلاً، فالمعنى: وأوحينا إِليهم وآتينا لوطاً. وذكر بعض النحويين: أنه منصوب على واذكر لوطاً، وهذا جائز، لأن ذِكْر إِبراهيم قد جرى، فحُمل لوط على معنى: واذكر.
قال المفسرون: لمَّا هاجر لوط مع إِبراهيم، نزل إِبراهيم أرض فلسطين، ونزل لوط بالمؤتفكة على مسيرة يوم وليلة أو نحو ذلك من إِبراهيم، فبعثه الله نبيّاً.
فأما الحُكم ففيه قولان:
أحدهما: أنه النبوَّة، قاله ابن عباس.
والثاني: الفهم والعقل، قاله مقاتل. وقد ذكرنا فيه أقوالاً في سورة [يوسف: 22]. وأما القرية هاهنا، فهي سَدُوم، والمراد أهلها، والخبائث: أفعالهم المنكَرة، فمنها إِتيان الذكور وقطع السبيل، إِلى غير ذلك مما قد ذكره الله عز وجل عنهم في مواضع [هود: 78 والحجر: 69].
قوله تعالى: {وأدخلناه في رحمتنا} أي: بانجائه من بينهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8