قوله تعالى: {فرجعوا إِلى أنفسهم} فيه قولان:أحدهما: رجع بعضهم إِلى بعض.والثاني: رجع كلٌّ منهم إِلى نفسه متفكِّراً.قوله تعالى: {فقالوا إِنكم أنتم الظالمون} فيه خمسة أقوال.أحدها: حين عبدتم من لا يتكلم، قاله ابن عباس.والثاني: حين تتركون آلهتكم وحدها، وتذهبون، قاله وهب بن منبه.والثالث: في عبادة هذه الأصاغر مع هذا الكبير، روي عن وهب أيضاً.والرابع: لإِبراهيم حين اتهمتموه والفأس في يد كبير الأصنام، قاله ابن إِسحاق، ومقاتل.والخامس: أنتم ظالمون لإِبراهيم حين سألتموه، وهذه أصنامكم حاضرة، فاسألوها، ذكره ابن جرير.قوله تعالى: {ثم نُكِسوا على رؤوسهم} وقرأ أبو رزين العقيلي، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: {نُكِّسوا} برفع النون وكسر الكاف مشددة. وقرأ سعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {نَكَسوا} بفتح النون والكاف مخفَّفة. قال أبو عبيدة: {نُكِسوا}: قُلِبوا، تقول: نكستُ فلاناً على رأسه: إِذا قهرته وعلوته.ثم في المراد بهذا الانقلاب ثلاثة أقوال.أحدها: أدركتْهم حيرةٌ، فقالوا: {لقد علمتَ ما هؤلاءِ يَنْطِقُون}، قاله قتادة.والثاني: رجعوا إِلى أول ما كانوا يعرفونها به من أنها لا تنطق، قاله ابن قتيبة.والثالث: انقلبوا على إِبراهيم يحتجُّون عليه بعد أن أقرُّوا له ولاموا أنفسهم في تهمته، قاله أبو سليمان الدمشقي. وفي قوله: {لقد علمتَ} إِضمار قالوا، وفي هذا إِقرار منهم بعجز ما يعبدونه عن النُّطق، فحينئذ توجهت لإِبراهيم الحُجَّة، فقال موبّخاً لهم: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم} أي: لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئاً {ولا يضرُّكم} إِذا لم تعبدوه، وفي هذا حثٌّ لهم على عبادة من يملك النفع والضُّر، {أفٍّ لكم} قال الزجاج: معناه: النتن لكم؛ فلما ألزمهم الحجة غضبوا، فقالوا: {حرِّقوه}. وذُكر في التفسير أن نمرود استشارهم، بأيِّ عذاب أعذِّبه، فقال رجل: حرِّقوه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إِلى يوم القيامة.